بقلم الأرشمندريت سمير نُهرا
تعليمه في
الإفخارستيّا
إنّ الإفخارستيّا هي
" منبع الحياة المسيحيّة كلها وقمتها، لإنّها تحتوي على كنز الكنيسة الروحي
بأجمعه الذي هو المسيح بالذات". هذا هو إختبار الكنيسة وتعليمها على مدى
الأجيال تستمده من منبعه الإلهي وتعليم الرسل والآباء القدّيسين.
إنّ الذهبي الفم هو
أصدق شاهد على تعليم الكنيسة في موضوع الإفخارستيّا في العهود المسيحيّة القديمة.
وقد أُطلق عليه أسم "ملفان الكنيسة ومعلّم الإفخارستيّا" . فهو كثيرا ما
يتكلم عن هذا السرّ بدقّة ما بعدها دقّة.
بعض أقواله في
الإفخارستيّا
" إنّ المسيح جعل
نفسه يتحوّل الى فتات خبزٍ لكي يُشبعنا. فمن يريد أن يتقدّم من هذا السرّ عليه ان
يتّقي الله بخوف".
إنه يسمّي
الإفخارستيّا "الأسرار الرهيبة المحيّية والإلهيّة" ." لذلك هي
تتطلب الإحترام والإرتجاف لأنّها ذبيحة رهيبة مقدّسة".
يقول عن
الهيكل:"إنّ المسيح يستريح هنا مذبوحاً، وما في الكأس هو ذاك نفسه الذي سال
من جنب المسيح، وخبز التقدمة هنا هو نفسه جسد المسيح".
"إعتبر أيها
الإنسان ما هذا اللحم الذبائحي الذي تحمله بيدك، ومن أي طاولة تقترب، تذكّر مع
كونك تراباً ورماداً انك تأخذ حقاً جسد المسيح ودمه".
أما عن دور الخدّام
فيقول:" الخادم هو الذي يقدّم القرابين وينطق بكلمات المسيح نفسها، إلا انّ
المسيح نفسه هو يبارك ويقدّس ويحوّل بالروح القدس هذه القرابين الى جسده ودمه، إذ
ليس هناك من إنسان مهما تقدّس وسما يقدر ان يحوّل بقدرته القرابين الى جسد المسيح
ودمه...".
"عندما ترى
الكاهن يسلّمك الأقداس لا تظن أنه هو الذي يفعل ذلك، أنما يد المسيح تُبسط
لك".
يقول الذهبي الفم رداً
على ما يقوله الناس: " يا حبذا لو كنا على أيام المسيح، لكنّا رأيناه كما هو
بثيابه ونعليّه وكلماته... ها انت تراه وتلمسه وتتناوله حقاً، إنك تريد أن ترى
ثيابه، أما هو فإنه يعطيك ذاته لا لكي تراه بعين الجسد بل لتلمسه وتتناوله وتتقبله
فيك".
"الإفخارستيّا
رحلة الى السماء، إنه دم المسيح فتح لنا الطريق، به نقترب من الله ونصير في
السماء. بل ماذا اريد من السماء أن كنتُ أرى ربّ السماء وصرت أنا نفسي سماء".
إنّ الذهبي الفم يشجع المؤمنين
الذين يتعرضون لهجمات الشرير ويحثهم على التقدّم من الإفخارستيّا. يقول:
"حينما تتناول بإستحقاق وضمير طاهر، تهرب الشياطين خائرة أول ما ترى فينا
الدم الإلهي. وأمّا الملائكة فتقترب وتسجد. إنّ الذين يتناولون يصيرون ملازمين
ملائكة السماء. يلبسون ثوب المسيح ملكهم ويحملون أسلحة النور".
واما عن اهمية
المشاركة في الصلاة والإفخارستيّا مع الجماعة كان الذهبي الفم يحزن من الذين
يستمعون الى العظات ولا يشاركون في الإفخارستيّا، او الذين قنعوا أنفسهم بالإكتفاء
بالصلاة في البيت. يقول:" إنك تخدع نفسك يا إنسان، وأن كنت تصلّي في البيت
وحدك لكنك لا تدري كم ستكون إستجابة الله قويّة في الشركة مع إخوتك... إنّ صلاة
الجماعة تصل الى السماء... المائدة الواحدة معدّة للجميع... المشرب الواحد مقدّم
للجميع...بل نشرب من كأس واحدة، الأمر الذي يعبّر عن حب متّسع... الكنيسة تحمل
قداسة المسيح وبرّه. إنها العروس البريئة من كل عيب للعروس الإلهي القدّوس".
وأمّاعن الإرتباط بين
الجسد المذبوح واعضاء جسد المسيح المتالمة والجائعة فيقول:" اتريد ان تكرّم
جسد المسيح الذبيح لا تتغافل عنه وهو عريان".
ويوبّخ القدّيس الذين
يهتمون بتقديم الستائر الحريريّة والكؤوس الذهبيّة تكريماً للذبيحة ويتركون
الفقراء جسد المسيح في عوز.
إنّ الذهبي الفم
يشجعنا على التناول والتمتع بالمواهب السماويّة، لكنه يحزن أن يعتاد الناس على
التناول بغير توبة ولا إستعداد. يقول:" كثيرون أمعنوا في الجهالة والتهاون
العظيم، فيتقدمون لتناول الأسرار المقدّسة مملوئين بالخطايا وغير مهتمين لنفوسهم
وغير عالمين أنّ المناولة تتطلّب الضمير النقي والاستعداد اللائق والحياة التي لا
عيب فيها".
ختام
إن يوحنا أكثر من الكلام عن سرّ الإفخارستيّا وشهد
بأمانة وفي وضوح للحضور الحقيقي للربّ يسوع المقرَّب والمقرِّب. وعرف كيف يسحب
قلوب الكثيرين الى مذبح الله والتقدّم الى المقدّسات الالهيّة. تارة يجتاز بهم الى
الجلجلة ليروا الجسد المبذول، وأخرى يرتفع بهم الى السماء ليدركوا سماوية السرّ
محاطاً بالطغمات السماويّة وهو في شركة مع الأرضيّين، وأيضاً يهيب بالمتقدمين الى
المناولة ليقفوا يإيمان وخوف ومحبّة أمام العرش الإلهي... وأخيراً يخرج بهم الى
الشوارع والطرقات ليوضح لهم أنّ الفقراء والمعوزين هم جسد المسيح الجائع والعريان
يتألم كل يوم.
الأرشمندريت سمير نُهرا
من كهنة أبرشيّة صيدا للروم الملكيّين الكاثوليك
مدير مزار سيّدة المنطرة - مغدوشة - جنوب لبنان
يندرج
هذا المقال ضمن إطار حملة "الحضور الحقيقي"، حملة لمدة خمس سنوات لإعادة
إكتشاف سرّ الإفخارستيّا، وتحديدا هو المقال الأول ضمن سلسلة مقالات، بقلم
الأرشمندريت سمير نُهرا، تعرض لأقوال وتعاليم اباء الكنيسة حول الإفخارستيّا.